سرطان المريء: عدو خفي يهدد صحة الجهاز الهضمي
يُعد سرطان المريء أحد أكثر أنواع السرطان فتكًا، حيث ينمو في المريء، ذلك الأنبوب العضلي الذي ينقل الطعام من الفم إلى المعدة. وعادة ما يبدأ هذا السرطان في الخلايا المبطنة للمريء من الداخل، ليمتدّ تأثيره على مختلف وظائف الجسم مع تقدّم مراحل المرض.
تتنوع أنواع سرطان المريء، وتختلف أعراضه باختلاف نوعه ومراحله. ومن أهمّ هذه الأعراض: صعوبة البلع، وفقدان الوزن، وحرقة المعدة، وعسر الهضم، والسعال، وبحة الصوت.
ولكن لحسن الحظ، فإنّ الكشف المبكر عن سرطان المريء يُحسّن بشكل كبير من فرص العلاج والشفاء. لذا، من المهمّ استشارة الطبيب فور ظهور أيّ من الأعراض المذكورة، خاصةً للمرضى الذين يُعرف عنهم وجود عوامل خطر للإصابة بهذا النوع من السرطان، مثل التدخين، وتناول الكحوليات، واتباع نظام غذائي فقير بالفواكه والخضروات، وزيادة الوزن، ووجود عدوى فيروس الورم الحليمي البشري (HPV) أو الإصابة بارتجاع المريء المزمن.
في هذا المقال، سنُسلّط الضوء على مختلف جوانب سرطان المريء، بدءًا من تعريفه وأنواعه، مرورًا بأعراضه وعوامل خطره، وصولًا إلى أساليب تشخيصه وعلاجه. كما سنُقدم بعض النصائح للوقاية من هذا المرض الخطير.
أنواع سرطان المريء
ينقسم سرطان المريء إلى ثلاثة أنواع رئيسية تختلف في طبيعتها وموقعها:
1. سرطان الخلايا الحرشفية: يُعدّ أكثر أنواع سرطان المريء شيوعًا، حيث يُصيب ما يقارب 90% من الحالات. ينشأ هذا النوع من السرطان في الخلايا الحرشفية المسطحة التي تُغطّي السطح الداخلي للمريء. ترتبط الإصابة بهذا النوع بشكل كبير بتناول التبغ، وخاصة التدخين، بالإضافة إلى شرب الكحوليات بكثرة. يميل سرطان الخلايا الحرشفية إلى الظهور في الجزء العلوي أو الأوسط من المريء.
2. سرطان الغدد الليمفاوية: ينشأ هذا النوع من السرطان في الخلايا الليمفاوية الموجودة في جدار المريء، وهي الخلايا المسؤولة عن جهاز المناعة في الجسم. يُعدّ سرطان الغدد الليمفاوية أقل شيوعًا من سرطان الخلايا الحرشفية، حيث يُشكّل ما يقارب 5% من حالات سرطان المريء. تزداد احتمالية الإصابة بهذا النوع لدى الأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، مثل مرضى الإيدز أو متلقي زراعة الأعضاء.
3. سرطان الخلايا المخاطية: يُعدّ هذا النوع من السرطان الأقل شيوعًا بين أنواع سرطان المريء، حيث يُصيب ما يقارب 5% من الحالات. ينشأ سرطان الخلايا المخاطية في الخلايا المُخاطية الموجودة في الجزء السفلي من المريء، وهي الخلايا المسؤولة عن إفراز المخاط الذي يُساعد على مرور الطعام بسهولة. ترتبط الإصابة بهذا النوع من السرطان بشكل كبير بوجود حالة تسمى مريء باريت، وهي حالة تتغير فيها خلايا بطانة المريء إلى خلايا شبيهة بخلايا المعدة.
من المهمّ مُلاحظة أنّ هذه الأنواع الثلاثة من سرطان المريء قد تتداخل في بعض الأحيان، حيث قد يُصاب الشخص بنوعين أو أكثر من هذه الأنواع في نفس الوقت.
بالإضافة إلى الأنواع الثلاثة الرئيسية، توجد أنواع نادرة أخرى من سرطان المريء تشمل:
- الساركوما: ينشأ هذا النوع من السرطان في الأنسجة الضامة للمريء.
- سرطان الخلايا العُصبية: ينشأ هذا النوع من السرطان في الخلايا العصبية الموجودة في جدار المريء.
عوامل الخطر
- التدخين: عامل الخطر الرئيسي للإصابة بسرطان المريء.
- شرب الكحول: يُزيد من خطر الإصابة بسرطان المريء، خاصةً عند تناوله مع التدخين.
- السمنة وزيادة الوزن: تزيد من خطر الإصابة بسرطان المريء.
- حموضة المعدة المزمنة: تُسبب ارتداد حمض المعدة إلى المريء، ممّا قد يُؤدي إلى تغيرات في الخلايا تُزيد من خطر الإصابة بالسرطان.
- فيروس الورم الحليمي البشري (HPV): يُزيد من خطر الإصابة بسرطان المريء، خاصةً سرطان الخلايا الحرشفية.
- النظام الغذائي: قلة تناول الفواكه والخضروات، وزيادة تناول اللحوم الحمراء واللحوم المصنعة، قد تزيد من خطر الإصابة بسرطان المريء.
أعراض سرطان المريء
صعوبة البلع: قد يشعر المريض بأن الطعام “عالِق” في الحلق أو الصدر، أو كأن هناك كتلة تعيق مروره. قد يبدأ هذا الشعور مع قطع الطعام الكبيرة أو القاسية، ويتطور تدريجيًا ليشمل حتى السوائل والطعام المهروس.
ألم عند البلع: قد يشعر المريض بألم أو حرقة عند بلع الطعام، خاصةً الأطعمة الساخنة أو الحارة. قد يزداد الألم سوءًا مع تقدم المرض، ويصبح مشابهًا لألم المعدة أو ضغطًا خلف عظمة الصدر.
فقدان الوزن غير المبرر: قد يفقد المريض الوزن بشكل ملحوظ دون اتباع نظام غذائي أو ممارسة الرياضة. يحدث ذلك لأن السرطان يمنع امتصاص العناصر الغذائية من الطعام، أو يُسبب فقدان الشهية.
حرقة المعدة: قد يعاني المريض من حرقة المعدة بشكل متكرر وشديد، لا تستجيب للأدوية المعتادة. قد يزداد الشعور بالحرقة سوءًا بعد الأكل، أو يستمر لفترة أطول من المعتاد.
بحة الصوت: قد تصبح نبرة صوت المريض أجشّة أو ضعيفة، أو قد يواجه صعوبة في التحدث. يحدث ذلك لأن السرطان قد يؤثر على الأعصاب التي تتحكم في حركة الحبال الصوتية.
السعال المستمر: قد يعاني المريض من سعال جاف أو سعال مصحوب بدم. يحدث السعال الجاف بسبب تهيج الممرات الهوائية من قبل الورم، بينما ينتج السعال المصحوب بالدم عن تآكل الورم للأنسجة المحيطة.
ملاحظة: قد لا تظهر أي من هذه الأعراض في المراحل المبكرة من سرطان المريء، لذلك من المهم استشارة الطبيب فورًا إذا لاحظت أيًا منها، خاصةً إذا كنت من الفئات المعرضة للإصابة بهذا النوع من السرطان.
كيفية تشخيص سرطان المريء
- المنظار الداخلي العلوي: إجراء يتم فيه إدخال أنبوب رفيع مزود بكاميرا عبر الفم إلى المريء لفحص بطانته.
- اختبار البلع بالباريوم: ابتلاع سائل يحتوي على مادة الباريوم، ثم إجراء أشعة سينية لتصوير المريء.
- الأشعة المقطعية (CT) أو التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI): لفحص المريء والأعضاء المجاورة بحثًا عن الورم.
- الخزعة: إزالة عينة من الأنسجة من المريء لفحصها تحت المجهر لتأكيد التشخيص.
علاج سرطان المريء
يعتمد علاج سرطان المريء على مرحلة السرطان وصحته العامة، ويهدف إلى تدمير الخلايا السرطانية ومنع انتشارها وتحسين الأعراض. تشمل خيارات العلاج الرئيسية ما يلي:
1. الجراحة:
- استئصال الورم: يتم إزالة الورم مع جزء من المريء والعقد الليمفاوية القريبة.
- استئصال المريء الجزئي: إزالة جزء من المريء مع إعادة توصيل الأجزاء المتبقية.
- استئصال المريء الكلي: إزالة المريء بالكامل مع إعادة بناء مسار للمرور إلى المعدة.
- جراحة المناظير: استخدام أدوات جراحية دقيقة يتم إدخالها عبر شقوق صغيرة في الصدر أو البطن.
- جراحة الروبوت: استخدام ذراع آلية يتم التحكم بها عن بعد لإجراء الجراحة بدقة عالية.
2. العلاج الإشعاعي:
- استخدام أشعة عالية الطاقة لقتل الخلايا السرطانية.
- يمكن إعطاء العلاج الإشعاعي قبل الجراحة لتصغير الورم أو بعدها للقضاء على أي خلايا سرطانية متبقية.
- يمكن أيضًا استخدام العلاج الإشعاعي لتخفيف الأعراض مثل الألم أو انسداد المريء.
3. العلاج الكيميائي:
- استخدام أدوية لقتل الخلايا السرطانية في جميع أنحاء الجسم.
- يمكن إعطاء العلاج الكيميائي قبل الجراحة أو بعدها أو مع العلاج الإشعاعي.
- يمكن أيضًا استخدام العلاج الكيميائي لتخفيف الأعراض مثل الألم أو انسداد المريء.
4. العلاج المُستهدف:
- استخدام أدوية تستهدف طفرات جينية محددة في الخلايا السرطانية.
- تعمل هذه الأدوية على قتل الخلايا السرطانية مع إلحاق ضرر أقل بالخلايا السليمة.
- العلاج المُستهدف هو خيار علاجي فعال لبعض أنواع سرطان المريء.
5. العلاج المناعي:
- تحفيز جهاز المناعة لمهاجمة الخلايا السرطانية.
- تشمل أدوية العلاج المناعي مثبطات نقاط التفتيش المناعي، التي تعمل على إزالة “الفرامل” التي تمنع جهاز المناعة من مهاجمة السرطان.
- العلاج المناعي هو خيار علاجي واعد لبعض أنواع سرطان المريء.
العلاج التلطيفي:
- يهدف إلى تخفيف الأعراض وتحسين جودة الحياة للمرضى الذين يعانون من سرطان المريء في مراحله المتقدمة.
- تشمل العلاجات التلطيفية مسكنات الألم، والعلاج الإشعاعي لتخفيف الألم أو انسداد المريء، والرعاية التدعيمية للمرضى وعائلاتهم.
من المهم مناقشة جميع خيارات العلاج المتاحة مع الطبيب لاختيار أفضل مسار علاجي لكل حالة.
الوقاية من سرطان المريء
- الإقلاع عن التدخين: أهم خطوة للوقاية من سرطان المريء.
- شرب الكحول باعتدال: الحد من شرب الكحول أو تجنبه تمامًا.
- اتباع نظام غذائي صحي: تناول الكثير من الفواكه والخضروات، وتقليل تناول اللحوم الحمراء واللحوم المصنعة.
- الحفاظ على وزن صحي: ممارسة الرياضة بانتظام والحفاظ على وزن صحي.
- معالجة حموضة المعدة المزمنة: باستخدام الأدوية أو تغيير نمط الحياة.
- الحصول على لقاح فيروس الورم الحليمي البشري: للمراهقين والبالغين الشباب.
توقعات سرطان المريء
يعتمد إنذار سرطان المريء على العديد من العوامل، أهمها:
- مرحلة السرطان: كلما تم تشخيص سرطان المريء في مرحلة مبكرة، زادت فرص الشفاء.
- نوع سرطان المريء: بعض أنواع سرطان المريء أكثر قابلية للعلاج من غيرها.
- العمر والصحة العامة: يكون لدى المرضى الأصغر سنًا و الصحة العامة الجيدة فرص أفضل للشفاء من المرضى الأكبر سنًا أو ذوي الصحة الضعيفة.
- العلاج: يعتمد الإنذار على نوع العلاج الذي يتلقاه المريض و فعاليته.
بشكل عام، تبلغ معدلات الشفاء من سرطان المريء في جميع المراحل حوالي 5٪. ومع ذلك، تكون معدلات الشفاء أعلى بكثير للمرضى الذين يتم تشخيصهم في المراحل المبكرة. على سبيل المثال، تبلغ معدلات الشفاء لسرطان المريء في المرحلة الأولى حوالي 85٪.
من المهم: مناقشة الإنذار مع الطبيب المعالج. يمكن للطبيب تقييم العوامل الفردية للمريض وتقديم تقدير أكثر دقة لفرص الشفاء.