الحساسية.. آثارها مؤلمة.. تجنبها ميسور

الحساسية مشكلة شائعة ومعروفة لدى الجميع، تؤثر على ملايين الناس حول العالم، يمكن تعريفها ببساطة على أنها ردة فعل مبالغ فيها للجهاز المناعي، ذلك أن للأشخاص الذين يعانون من الحساسية جهاز مناعي مفرط النشاط، يبالغ في ردة فعله لمواد موجودة في البيئة تدعى “مواد تثير الحساسية أو المستأرجات”، فقد يكون التعرض لمادة غير ضارة كاللقاح سببا لحدوث ردة فعل غير طبيعية للجهاز المناعي للشخص المصاب بالحساسية، بحيث يرفض جهازه المناعي اللقاح ويعتبره مادة ضارة، ومن الممكن أن تبدأ أعراض الحساسية بالظهور في أي عمر، وللعامل الوراثي دور كبير في ظهور تلك الأعراض بانتقالها من الوالدين إلى الأطفال.

والحساسية التي ما هي إلا حساسية مفرطة لمادة تثير الحساسية، تحصل عند استنشاق مادة معينة في البيئة، أو هضمها أو لمسها..، فتحدث أعراض تسمى “ردة فعل الحساسية”، ذلك أنه عندما تدخل مادة غير ضارة “مستأرج” لجسم لديه حساسية، يتجاوب ويتفاعل معها جهازه المناعي باعتبارها مادة ضارة ومؤذية للجسم، فينتج الجسم كميات كبيرة من الأجسام المضادة تسمى غلوبلين المناعي (IgE)..، وبالعادة فإن أجسامنا تنتج هذه المضادات المهمة بكميات قليلة تحمينا من الأجسام المتطفلة، لا من المواد المثيرة للحساسية “المستأرجات”، أما بالنسبة للأشخاص الذين لديهم حساسية فتنتج أجسامهم هذه الأجسام المضادة بكميات كبيرة جدًا..، والتعرض المتكرر للمادة المثيرة للحساسية “المستأرج” تؤدي إلى إطلاق مواد كيماوية، وخصوصا مادة الهيستامين التي تؤدي إلى ظهور أعراض الحساسية.. 

وهناك مرحلتان مرتبطتان بردة فعل الحساسية؛ الأولى: التعرض المباشر للمادة المثيرة للحساسية “المستأرج” الذي يدفع الجهاز المناعي إلى ردة فعل مبالغ فيها بإنتاج الأجسام المضادة “غلوبلين المناعي” (IgE) لمحاربة المادة المثيرة للحساسية “المستأرج”..، فتهاجم الأجسام المضادة خلايا بدينة (mast cells)، وهي عبارة عن خلايا مخصوصة توجد في الجلد والمناطق الرطبة من الجسم مثل الأنف والعينين والفم التي تحتوي على الهستامين، وتصبح الخلايا البدينة نشطة وتتأهب لهجوم جديد في المستقبل..، وقد يستغرق حدوث ذلك أسابيع أو أشهر أو حتى سنوات، وفي هذه المرحلة لا تظهر أية أعراض.

 أما في المرحلة الثانية فيخضع الشخص لسلسلة من التعرضات للمواد المثيرة للحساسية “المستأرجات”، مما يدفع الخلايا البدينة للتفاعل والانفجار وإطلاق الهيستامين، وفي هذه اللحظة تبدأ أولى أعراض الحساسية المضطربة بالظهور

مسببات الحساسية

يمكن أن تحدث ردود فعل الحساسية في جهاز المناعة في جسم الإنسان لأسباب كثيرة؛ فقد تكون بسبب تناول مواد مثيرة للحساسية “المستأرجات” ..، على رأسها مادتان أساسيتان هما الطعام والأدوية، أو بسبب مواد يتم استنشاقها مثل المواد البروتينية المستنشقة من الأنف أو الفم، أو بسبب لمس بعض المستأرجات وانتقالها عبر الجلد، كلمس مواد مثل اللقاح، والعفن، وإفرازات الحيوانات، والعثة الغبارية المنزلية، كما تشمل هذه الأجسام المستأرجة المساحيق، والغسول، وبعض المعادن مثل المجوهرات الرخيصة وأزرار الملابس المعدنية في الجينز، وآخر الأسباب قد تكون بسبب عوامل غير محددة تؤدي إلى تفاقم شدة الحساسية وتشمل: تغيرات الطقس والحرارة والبرودة والرطوبة وتغيرات الضغط الجوي والتلوث بأنواعه واستنشاق دخان التبغ المنبعث من المدخنين الآخرين.

أعراض الحساسية

هناك مجموعة كبيرة من العلامات والأعراض الدالة على الإصابة بالحساسية، يعتمد ظهورها وشدتها على نوع الحساسية ومستوى التعرض ورد فعل الشخص، ونظرًا لأن هذه العلامات والأعراض قد تدل على وجود مرض آخر وليس الحساسية فقط، لذا يجب على الطبيب أن يتحرى الأمر، إنما إجمالا فإن الأعراض تنقسم إلى ثلاث أقسام: أعراض خفيفة، ومتوسطة، وشديدة..

وتتمثل الأعراض الخفيفة للحساسية بـ :الطفح الجلدي ، والحكة، ونزول الدمع، واحتقان، وتتركز الأعراض في منطقة واحدة في جسم المصاب، ولا تنتشر إلى أعضاء الجسم الأخرى، أما بالنسبة لأعراض الحساسية المتوسطة فمن الممكن أن تنتشر إلى أجزاء أخرى من جسم الإنسان..، ومن هذه الأعراض الحكة وصعوبة في التنفس، أما أعراض الحساسية الشديدة، والتي تعرف كذلك بـ الصدمة الاستهدافية أو فرط الحساسية، ويطلق عليها باللغة الإنجليزية “Anaphylaxis”، وهي تفاعل شديد للحساسية وأعراضها نادرة، وإن ظهرت فهي تنبؤ بقدوم خطر محدق قد يصل إلى الموت، يكون فيها استجابة الجسم المصاب للمواد المثيرة للحساسية مفاجئة وتؤثر على الجسم بأكمله، فقد تبدأ ردة فعل الحساسية بحكة مفاجئة في العينين أو الوجه، ومن ثم تتطور وخلال دقائق إلى أعراض أكثر خطورة بحدة أكبر، ومنها: انتفاخ جسم الشخص المصاب فيصبح التنفس والبلع  صعبا للغاية، وآلام في البطن، ومغص حاد وتشجنات، وقيء، وإسهال، وهبوط سريع في ضغط الدم، كل ذلك مصحوب بالإرباك والتشوش والدوار. 

مهيجات الحساسية

هناك العديد من المواد التي تسبب الحساسية تسمى المهيجات، تقوم بإثارة ردة فعل الحساسية، ومن المهيجات الشائعة بشكل كبير: اللقاح، والغبار، والعفن، والحيوانات، ولسعات الحشرات، والطعام، والأدوية، وقد تكون بعض أنواع الحساسيات مثل الحساسية للغبار أو الحيوانات أو الطعام مستمرة على مدار السنة، فيما يكون بعضها الآخر موسميا مثل حمى القش (الكلأ) . 

اللقاح

قد يؤدي التعرض إلى اللقاح إلى إثارة وتهيج حمى القش (الكلأ) أو الحساسية الموسمية، وتتمثل أعراض الحساسية الناشئة عن اللقاح بـ: العطاس وحكة في الأنف مع نزول الإفرازات منه، وحكة عامة واحتقان في الأنف، وأحيانا قد يصل الأمر إلى التهاب الملتحمة (وجود حكة في العين مع دمع)، وتحدث حمى القش (الكلأ) بشكل موسمي، وخصوصا في فصلي الصيف والخريف، ومن الممكن تجنب أعراضها بالبقاء في المنزل خلال أوقات الذروة لعمليات اللقاح، مع الأخذ بعين الاعتبار أهمية إغلاق جميع النوافذ واستخدام التكييف إن وجد. 

الغبار

أما بالنسبة للغبار، فليس هو المسبب المباشر للحساسية، بل العنصر المباشر في ذلك هو العثة الموجودة في الغبار، وعثة الغبار هي عبارة عن كائنات دقيقة تعيش في غبار المنزل،  تعتبر مسؤولة عن عدد كبير من أمراض الحساسية، وتوجد عثة الغبار في الأماكن الدافئة، والرطبة وتتكاثر بشكل سريع في منازلنا، وخصوصا في الوسائد والفراش.

وتشبه أعراض حساسية عثة الغبار أعراض حساسية اللقاح، وينحصر الاختلاف بينهما في أن حساسية الغبار تحدث على مدار السنة وليست موسمية كالأولى، ومن أجل الوقاية من الإصابة بأعراض هذا النوع من الحساسية، لا بد من استخدام الوسائد غير المثيرة للحساسية، وتغطية الفراش بالبلاستيك، والتأكد من بقاء المنزل خاليا من الغبار، والتقليل قدر الإمكان من وضع السجاد والستائر في المنزل. 

العفن

العفن عبارة فطريات مجهرية دقيقة، تتكاثربالأبواغ بدلا من البذور، تطير في الهواء، وهي تشبه اللقاح إلى حد ما، ومن الممكن تواجد العفن في الأماكن الرطبة مثل الحمامات، والسراديب أو الأدوار السفلية، والعشب..، وكما هو الحال في أعراض اللقاح وعثة الغبار فإن أعراض العفن كذلك مع وجود السعال هنا،  ويمكنكم الوقاية من حساسية العفن بعمل تهوية جيدة في الأماكن الرطبة في المنزل. 

الحيوانات

قد تؤدي المواد في الموجودة في شعر وجلد الحيوانات إلى التسبب في حدوث الحساسية لبعض الأشخاص، وبعد إجراء الإحصاءات والدراسات وجد أن القطط من أكثر الحيوانات التي تسبب للناس النشق والحكة، وتثير ردة فعل الحساسية للحيوانات الأعراض المعروفة التقليدية للحساسية.. بالإضافة إلى ظهور الطفح الجلدي، وهناك حيوانات أخرى عدا القطط لا يقل دورها عن القطط في  التسبب بالحساسية كالكلاب، والخيول، والأرانب، وأفضل طريقة لتجنب الإصابة بهذا النوع من الحساسية الابتعاد عن تلك الحيوانات التي تسبب الحساسية. 

وإذا بحثنا عن علاج للحساسية الناتجة عن اللقاح والغبار والعفن والحيوانات فإننا سنجد أن أكثر العلاجات الشائعة والمعروفة هي الأدوية المضادة للهيستامين، التي تعيق مستقبلات المواد الهائية (H1)، بحيث يقوم الدواء بتحييد آثار الهيستامين ويخفف من الأعراض الرئيسية للحساسية مثل العطس والتهاب الملتحمة، ونزول الإفرازات من الأنف..، ومن الممكن الالتجاء إلى المداواة بالتمنيع، وأخذ مطاعيم الحساسية، وذلك في حالة الحساسية الشديدة التي لا تتجاوب مع الأدوية الأخرى مثل تلك المضادة للهيستامين.  

لسعات الحيوانات

لا تعتبر الحساسية ضد لسعات الحشرات من أكثر أنواع الحساسية شيوعا، ولكنها تعتبر من أكثر الأنواع خطورة، وتتمثل أعراض حساسية لسعات الحشرات بـ: حدوث انتفاخ كبير في منطقة اللسعة، الغثيان، التعب، وانخفاض درجة الحرارة ، وفي بعض الحالات قد تؤدي لسعة الحشرة لشخص مصاب بحساسية إلى إصابته بما يسمى “الصدمة الاستهدافية” أو فرط الحساسية، وقد تؤدي أحيانا للموت، لأنها تؤثر على الجسم بأكمله..، وتتمثل الأعراض في : صعوبة في التنفس، وانتفاخ الوجه أو الحلق أو الفم، تسارع في نبضات القلب، دوار، وانخفاض مفاجئ في ضغط الدم.

ومن الحشرات التي تسبب الحساسية: النحل، الزنابير “الدبابير”، وبعض أنواع النمل، ولعلاج الدرجات الخفيفة والمتوسطة لهذا النوع من الحساسية.. فمن الممكن أخذ الأدوية المضادة للهيستامين، وأخذ حقن خاصة بالحساسية، إنما لعلاج هؤلاء الذين يصابون بالصدمة الاستهدافية أو فرط الحساسية فيجب أن يأخذوا حقنة الأدرينالين مباشرة، وهو علاج خاص بعلاج الحساسية الشديدة، وقد يكون من الصعب الوقاية من هذا النوع من الحساسية لأنه يصعب أحيانا تجنب الحشرات، ومع ذلك، يمكن توخي الحذر بارتداء الأحذية عند الخروج، وعدم ارتداء الملابس ذات الألوان الفاقعة، وعدم وضع المستحضرات التجميلية التي لها رائحة نافذة، وإبقاء مبيد حشري في متناول اليد للتقليل من خطر الإصابة بلسعة الحشرة. 

الأطعمة 

في هذه الحالة يجب أن نأخذ بعين الاعتبار الفرق بين الحساسية وعدم التحمل، إذ إن حساسية الطعام هي عبارة عن ردة فعل الجهاز المناعي، بينما عدم تحمل الطعام هو عبارة عن ردة فعل الجهاز الهضمي، لذا من الضروري التفريق بين الحالتين، وتشمل أعراض حساسية الطعام: الطفح الجلدي، الغثيان، آلام في الصدر، أما أعراض عدم تحمل الطعام فهي أعراض تشبه أعراض الحساسية مثل: الغثيان، وآلام في المعدة والإسهال، ولكنها تشمل كذلك الإصابة بالغازات، والانتفاخ، وحرقة في المعدة، والقيء، والصداع، وهناك نقطة من الجدير تذكرها وهي أن أعراض حساسية الطعام وخصوصا الحكة، وانتفاخ الشفاه تحدث خلال دقائق معدودة من تناول الطعام، لذا يمكن أن نفرق في هذه الحالة بين النوعين بسهولة..

ومن أكثر الأطعمة الشائعة التي تسبب الحساسية: حليب البقر، والبيض، والفستق، والفول السوداني، والسمك، والمحار..، ولعلاج الحساسية الخفيفة والمتوسطة من هذا النوع، من الممكن استخدام الأدوية المضادة للهيستامين، بينما يجب علاج الحالات الشديدة بحقن الأدرينالين، فيما الوقاية منه التي هي خير من قنطار العلاج أمر بسيط للغاية، كل ما عليكم القيام به هو تجنب تناول الطعام الذي يسبب لكم الحساسية. 

الأدوية

هناك حالات يصاب بها بعض الأشخاص بالحساسية تحصل عندما يتناولون نوعا معينا من الأدوية، ومن هذه الأنواع البنسلين أو الأسبرين، ونظرًا لأن ردة فعل الحساسية وأعراضها مشابهة لحساسية الطعام، أي من الممكن أن تكون خفيفة أو متوسطة أو خطرة..، فيكون العلاج مماثلا للعلاج الخاص ببقية  أنواع الحساسية، وطرق الوقاية تكون بتجنب الأدوية المسببة بها.