أمراض عصبية

فقدان الشهية العصبية والشراهة العصبية.. أحلاهما مر

فقدان الشهية والشراهة حالتان خطيرتان ناتجة عن اضطراب في الغذاء؛ تناولا وإقبالا واختيارا..، يمكن أن يصلا بالمصاب إلى الموت..، يلاحظ على المصاب به اهتمامه بشكل كبير في وزنه..، إلى أن يحدث معه اضطرابات غذائية ومشاكل اجتماعية..، وتظهر هاتان الحالتان المرضيتان بشكل كبير في الطبقات الغنية في المجتمع في الدول المتقدمة؛ لما للنحافة من أهمية في تلك الثقافات والمجتمعات الغربية، فهي رمز القبول الاجتماعي، والانضباط والمنافسة، وعندما نقول ذلك فنحن لا نعني أن ذلك لا ينطبق على مجتمعاتنا العربية، بل هي ظاهرة موجودة عندنا اليوم، صحيح أن المرأة العربية الممتلئة والسمينة كانت تعتبر في السابق جميلة ومرغوبة..، إلا أن سيل القيم والعادات الغربية التي ألقت بظلالها على المنطقة الشرقية غيرت تلك النظرة ومعها الكثير، مما أدى إلى انتشار هذا المرض في وطننا العربي، واليوم تعاني أكثر من 100 ألف فتاة أردنية من اضطرابات في الغذاء..

فقدان الشهية

فقدان الشهية العصبي عبارة عن اضطراب في الغذاء، حيث يقوم المصابون به بحرمان أنفسهم من الطعام..، ويبدأ فقدان الشهية عند الشباب ابتداء من سن المراهقة، ويؤثر بشكل عام على الفتيات اللاتي تتراوح أعمارهن بين 12 و 25 عاما، والأشخاص المصابون بفقدان الشهية يعانون من خسارة كبيرة في الوزن، ليصل وزنهم إلى أقل من الوزن المثالي بنسبة 15%، والأشخاص الذين يعانون من فقدان الشهية العصبي يصبحون نحفاء جدًا..، ومع ذلك نجدهم مقتنعون تماما بأنهم بدناء.

ويسيطر على الأشخاص المصابين بفقدان الشهية الذعر بأن يصبحوا في يوم من الأيام بدناء، لذا يبدؤون بالحميات الغذائية الصارمة، ويمارسون بعض الأعمال المؤدية للنحافة مثل ممارسة التمارين الرياضية الشديدة، أو تناول الأدوية المسهلة..

ويبقى هاجس البدانة مسيطرا على الأشخاص الذين يعانون من فقدان الشهية العصبية، حتى وإن أصبحوا في غاية النحافة أو أصيبوا بمرض ما أو قربت نهايتهم، ولكن لماذا يصاب هؤلاء الأشخاص بهذه الحالة المرضية، وهذا الذعر؟ في الحقيقة لا يعرف سبب دقيق وواضح تماما..؛ قد يلقي البعض اللوم على الرسائل الموجهة التي تنقلها وسائل الإعلام من خلال الإعلانات والأخبار والأفلام إلى الفتيات التي مفادها “النحافة الزائدة دليل على الجمال”، ولكن قد يتطور المرض بسبب مجموعة من العوامل الحيوية والنفسية والاجتماعية.

وتشير بعض الدراسات- على الرغم من عدم ثبوتها تماما- إلى أنه قد يكون لدى الأشخاص المصابين بفقدان الشهية مستويات عالية من السيروتونين، الذي هو عبارة عن ناقل عصبي، يؤدي إلى ظهور بعض السلوكيات الخاصة بفقدان الشهية مثل الابتعاد عن المجتمع، وقلة الرغبة في تناول الطعام..، ولم يحدد بشكل موثوق إلى الآن الوقت الدقيق لارتفاع مستويات السيروتونين؛ أي قبل الجوع أو بعده.

وهناك بعض الدراسات الأخرى تشير إلى أن سبب تطور فقدان الشهية عند المصاب ترجع إلى عوامل وراثية، وهذا إذا كان أحد الوالدين أو الأخت أو الأخ مصابين به، ومع ذلك فإن العامل الوراثي لا يشكل إلا جزءا بسيطا فقط من المسببات؛ فهناك عوامل أخرى مسببة للإصابة بفقدان الشهية مثل: صفات الشخص والضغوطات الثقافية والاجتماعية..، هذا وقد يكون التوتر اليومي أحد أسباب فقدان الشهية العصبي كالانتقال من منزل إلى آخر أو الطلاق، أو وفاة شخص قريب على القلب… وغيرها الكثير.

وأعراض فقدان الشهية كثيرة ومتعددة، وقد لا تجتمع كلها فيمن يعاني من هذه الحالة المرضية، ومن هذه الأعراض عدم تناسق وزن الجسم مع عمر وطول وبنية الفرد (أي أن يكون الوزن أقل بحوالي 15% من وزن الشخص الطبيعي)،  وعدم الرغبة في تناول الطعام أمام الناس، والإصابة بالتوتر والقلق والضعف العام وضيق النفس وشحوب الوجه، وبالنسبة للنساء انقطاع الدورة الشهرية على الأقل لمدة ثلاثة أشهر، كما يتعرض المصاب إلى تقصف الأظافر والشعر، والإمساك، والأنيميا، وتورم المفاصل، والشعور بالبرد باستمرار، وقرح لا تلتئم، وصعوبة في التركيز والتفكير، مع أعراض سوء التغذية مثل بروز العظام، وانخفاض الكتلة العضلية للجسم، والهزال الشديد، وانخفاض ضغط الدم، وبطء ضربات القلب، وتورم الأقدام.

ويشعر المريض المصاب بفقدان الشهية بخوف شديد من اكتساب أي وزن، لذا يحرم نفسه من تناول أنواع معينة من الطعام كتلك التي تحتوي أي نوع من الدهنيات، مع اهتمام وحرص زائد بالوزن والشكل والمظهر، واستخدام الملينات بكثرة لمحاولة خفض الوزن، مما يؤدي إلى فقدانه بسرعة كبيرة، وممارسة الرياضة بشكل مفرط، كما تتملكه مشاعر سلبية مثل الاكتئاب والحزن الشديد، والانعزال، وعدم الرغبة في المشاركة بأي شيء، والإصابة بالوسواس القهري أحيانا.

وكثيرًا ما يكون من الصعب ملاحظة إصابة الطفل أو الأخ أو الأخت أو الصديق بفقدان الشهية، وذلك لأن معظم المراهقين والشباب يتبعون حميات غذائية في مرحلة ما من حياتهم تشكل جزءًا مهما من مراحل نموهم، لذا لكي نتمكن من التفريق بين المرحلة التي يمر بها المراهق والإصابة بفقدان الشهية علينا الانتباه إلى العلامات التحذيرية التي ترشدنا إلى أن ذلك الشخص مصاب بفقدان الشهية  وأن الأمر ليس متعلق بمرحلة المراهقة، وهذه العلامات التحذيرية: خسارة كبيرة للوزن، الاهتمام الزائد بالوزن والطعام وسعراته الحرارية وغرامات الدهون، واتباع الحميات القاسية، رفض تناول أنواع معينة من الطعام، الاستمرار في التعليق حول شعورهم بالبدانة رغم خسارة الوزن، إنكار الشعور بالجوع، إيجاد طرق وعادات غريبة لتناول الطعام مثل مضغه مرات كثيرة أو إعداد صحن الطعام بطريقة معينة، خلق الأعذار دائما لتجنب وجبة الطعام، والابتعاد عن الأصدقاء المعتادين.

يحتاج جميع المصابين بفقدان الشهية إلى العلاج، ويهدف العلاج إلى الحفاظ على الوزن الصحي، والالتزام بسلوكيات صحيحة في تناول الطعام، ومعالجة المشاكل البدنية والعقلية المصاحبة لسوء التغذية مثل هشاشة العظام أو الاكتئاب، كما يعتبر طرح وتجنب الأفكار والسلوكيات والتصرفات غير الطبيعية المؤدية إلى الاضطرابات في تناول الغذاء جزءا مهما من العلاج.

ويبدأ العلاج عادة بتوافر جهود فريق طبي متكامل مكون من: أخصائي صحة نفسية وعقلية، وطبيب، وأخصائي تغذية، ويشمل العلاج الذي يعتمد على درجة تطور الحالة: استعادة الوزن المثالي الصحي، والحصول على وزن صحي الذي يقلل من أعراض الاضطرابات الغذائية، والحصول على الاستشارة الطبية ليتوضح للمصاب بالحالة أنه يعاني من مشكلة، وهناك فرصة لمساعدته على تحسين نظرته إلى جسده، مع التركيز على المشاكل الموجودة في العلاقات الاجتماعية، وقد يكون العلاج فرديا أو جماعيا يتمثل في العلاج العائلي، والحصول على الاستشارة الغذائية لمساعدة الشخص التوصل إلى نمط غذائي جيد وفهم أفضل لمفهوم ومعنى الغذاء الجيد، وبالطبع يشمل العلاج كذلك معالجة الأمراض التي صاحبت فقدان الشهية مثل الاكتئاب أو مشاكل القلب.

وللأسف لا يمكننا في هذه الحالة توظيف الحكمة القائلة “الوقاية خير من قنطار علاج”؛ وذلك لأنه لا تعرف طريقة معينة لتجنب الإصابة بفقدان الشهية، ولكن من الممكن أن يكون العلاج المبكر أفضل طريقة لتجنب وصوله إلى مراحل متقدمة، كما يكون بملاحظة إشاراته الأولية وتقديم العلاج الفوري لفاقد الشهية لتجنب تعقيدات المرض، وقد أظهرت بعض الدراسات أن العلاج بدواء الفلوكسيتين مثل البروزاك قد يساعد في تقليل احتمالية العودة إلى هذا الاضطراب، ونظرًا لعدم وجود طريقة لتجنب الإصابة به، فهناك طرق متعددة يمكن للبالغين اتباعها لمساعدة أطفالهم الصغار والمراهقين تجنب الإصابة بفقدان الشهية؛ ويكون ذلك بتربيتهم منذ صغرهم على تكوين نظرة إيجابية بخصوص العناية بأنفسهم وصحتهم؛ من حيث تناول الطعام الصحي المفيد وممارسة الرياضة بشكل صحيح.

الشراهة العصبية

أما الشراهة العصبية فهي كذلك اضطراب نفسي في الغذاء ، ومن خصائص الشراهة الأساسية أن يمر المصاب بحالة من انفتاح شهية ونهم في تناول الطعام تدفعه إلى إيجاد طرق للتخلص من الطعام بأساليب غير صحية وغير مناسبة للسيطرة على الوزن، وتشمل هذه الطرق القيء والصوم واستخدام الملينات والأدوية المسهلة أو ممارسة التمارين الرياضية القهرية، كما أن الاهتمام بشكل الجسم والوزن من الخصائص الأخرى المميزة للمصاب بالشراهة.

وتكون حالة النهم والشراهة بتناول كميات كبيرة من الطعام أكثر من الوضع الطبيعي، ولا يكون سبب ذلك الجوع، بل هو الاكتئاب ومشاكل في تقدير واحترام الذات..، وما يحدث هو أنه عندما يصاب المريض بهذه الحالة من الشراهة يفقد السيطرة على نفسه، وبعد فقدان السيطرة يشعر المصاب بالراحة لفترة قصيرة، تليها حالة من الاشمئزاز واحتقار النفس، ليتبع ذلك ردة فعل تتمثل عادة بالبحث عن طريقة للتخلص من الطعام، ولتصبح هذه الطريقة هوسا عند الشخص يكررها في كل مرة.

ويصيب الشراهة العصبية- كما هو الحال في فقدان الشهية- الشباب ابتداء من سن المراهقة، ويؤثر بشكل عام على الفتيات اللاتي تتراوح أعمارهن بين 12 و 25 عاما، وما يزيد الأمر سوءا أنه لا يمكننا معرفة أن شخص ما مصاب بالشراهة، لأنه يبدو طبيعيا بوزن طبيعي، وقد يكون أحيانا زائد الوزن، ثم إن الشراهة والنهم في تناول الطعام، وما يتبعه من تخلص خاطئ منه يتم بشكل سري دون أن يعرف أحد، أضف إلى ذلك إنكار المصاب إصابته بتلك الحالة المرضية أصلا.

يأكل المصابون بالشراهة العصبية كميات كبيرة من الطعام تصل لغاية 20 ألف سعرة حرارية في المرة الواحدة، وتتركز الأطعمة التي يتناولونها في فئة معينة مثل الحلويات، أو الأطعمة ذات السعرات الحرارية العالية، أو البوظة، أو المعجنات، أو الكعك، وقد يصيب النهم الإنسان مرتين فأكثر في اليوم الواحد.

وكما هو الحال في فقدان الشهية فإن سبب الإصابة بمرض الشراهة غير معروف، وتعتقد بعض الدراسات أنه يبدأ بسبب عدم رضا الشخص بشكله وهيئته وجسمه، والاهتمام الزائد بشكل وحجم الجسم، وعادة ما يعاني الشخص المصاب بالشراهة بنكران الذات والشعور باليأس والخوف من البدانة.

وتقول بعض الدراسات الأخرى أن السبب وراء الشراهة قد يكون بسبب مجموعة من حالات تصيب أفراد العائلة، والتأثيرات المجتمعية المحيطة مثل الإعجاب بالنحافة، وتأثير بعض الصفات مثل حب الكمال، وقد يزداد خطر الإصابة بالشراهة إذا كان أحد الوالدين أو أحد أفراد العائلة ( الأخت، الأخ) مصابا به، ومع ذلك قد لا يعدو ما سبق أن يكون جزءا من السبب الحقيقي، وبالإضافة إلى كل ذلك من الممكن أن يكون للتوتر في الحياة اليومية مثل الانتقال من مكان إلى آخر أو الطلاق أو وفاة شخص عزيز.. له علاقة بالشراهة عند الأشخاص مرهفي الإحساس والذين من الممكن أن تتطور عندهم هذه الحالة.

وأعراض الشراهة كثيرة تتمثل معظمها في أن يأكل الشخص بطريقة لا يمكن السيطرة عليها، وتكرار حالة النهم، وتناول كميات كبيرة من الطعام في فترة قصيرة (أقل من 3 ساعات)، والشعور بالخجل والخوف من كسب وزن زائد، واتباع حميات قاسية، والصوم، وممارسة التمارين الرياضية القاسية، والقيء الذي قد يكون مصحوبا أحيانا بالدم، والاستخدام السيئ للملينات لمحاولة إنقاص الوزن،  والذهاب إلى الحمام بشكل متكرر بعد تناول الوجبات، والاهتمام بالوزن، والاكتئاب أو تغيرات سريعة في المزاج، وانتفاخ الغدد في منطقة الرقبة والوجه، وحرقة في المعدة وانتفاخ، والإصابة بعسر هضم، وإمساك، وعدم انتظام الدورة الشهرية، والإصابة بمشاكل بالأسنان، والتهاب في الحلق، وضعف عام.

ونظرًا لعدم وضوح حالات الشراهة العصبية على المصابين بها لما تقدم من أسباب..، تكون معرفة هؤلاء الأشخاص صعبة جدًا، إلا أنه توجد هناك بعض العلامات والإشارات التحذيرية لتدلنا عليهم منها: ملاحظة الشره أو النهم وذلك بتناول كميات كبيرة من الطعام في وقت قصير، ملاحظة سلوكيات خاطئة للتخلص من الطعام، تكرار الذهاب إلى الحمام بعد تناول الوجبات، أو ملاحظة وجود الأدوية الملينة أو علبها، ممارسة التمارين الرياضية الشاقة لخسارة الوزن الزائد، ملاحظة انتفاخ غير طبيعي عند الفك أو الخدين، تورم الأصابع أو مفاصل الأصابع بسبب اعتماد طريقة القيء، تغير لون الأسنان، الابتعاد عن الأصدقاء المعتادين.

أما بالنسبة للعلاج للشراهة العصبية فهو يتمثل في  الحصول على الاستشارة النفسية، التي لا بد أن يصاحبها وجود أخصائي تغذية، وقد يتطلب الأمر أحيانا تناول بعض الأدوية مثل تلك المضادة للكآبة، وفي العادة لا يتطلب علاج الشراهة دخول المستشفى والحصول على العناية الطبية على الرغم من أهميتها أحيانا..، وبالطبع إذا صاحب الإصابة بالشره أمراض أخرى فمن الضروري علاجها.

أما بالنسبة للوقاية من هذا الاضطراب الغذائي فحال الشراهة العصبية كحال فقدان الشهية، إذ لا توجد طريقة معروفة للوقاية منه، ولكن كما قلنا في السابق من الممكن أن يكون العلاج المبكر أفضل طريقة لتجنب تطورها إلى مراحل متقدمة، وذلك بمعرفة إشاراته الأولية لتقديم العلاج الفوري، كما توجد طرق متعددة يمكن للبالغين والآباء اتباعها لمساعدة أطفالهم الصغار والمراهقين تجنب الإصابة بالشراهة، منها: عدم معاقبتهم أو مكافئتهم بالطعام، وأن يكونوا مثالا أعلى وقدوة حسنة في اتباع غذاء صحي متوازن وممارسة الرياضة المناسبة، وتعليم أطفالهم كيفية الاعتناء بأجسامهم وعدم الاهتمام الزائد بمظهرهم.

لقد وجد أن عدد النساء اللاتي يصبن بفقدان الشهية العصبية والشراهة العصبية يفوق عدد الرجال، وقد لوحظ أن الفئة الأكثر تأثرًا هي الفتيات المراهقات اللاتي يعانين منه بسبب ظنهن أن النحافة الزائدة تضفي عليهن جمالا زائدا، وللأسف فليس الأمر كذلك، فلقد رأيتم ما تفعل حالتا الاضطراب الغذائي المذكورتان بكل من يعاني منهما، لذا أعزائي القراء إذا كان لديكم أطفال حاولوا أن تعلموهم بالقدوة الحسنة المحافظة على الصحة واتباع نمط حياة صحي جيد، وكونوا جزءا من حياتهم لتعرفوا ما يدور في بالهم، وننصحكم بمتابعة ومراقبة حياتهم دون التدخل بشكل مباشر لتكونوا على علم بكل ما يحدث..، ليكن ” اتباع نمط حياة صحي ” هدفنا الأساسي جميعا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى