الكذب المَرَضِيُّ، كيف نتغلب عليه
هل قابلت يوماً شخصاً بدا وكأنه يكذب بشأن كل شيء، حتى عندما لا يكون هناك سبب واضح للكذب؟ إذا قابلته أو تعرفه، فربما تكون قد واجهت كاذباً مَرَضياً.
الكذب المَرَضِيُّ هو نمط قهري لإخبار الناس بأشياء غير صحيحة. على عكس الكذب العادي، الذي يتم عادة لغرض محدد أو لتجنب العواقب غير السارة، فإن الكذب المَرَضِيَّ يتم في كثير من الأحيان دون أي دافع أو فائدة واضحة.
قد يكذب المريضون بالكذب بشأن أمور تافهة، مثل كذبهم بشأن الطعام الذي تناولوه على الإفطار، أو بشأن أحداث كبيرة، مثل التعرض للاختطاف أو الفوز باليانصيب. وقد يكذبون أيضاً بشأن هويتهم أو تاريخهم أو إنجازاتهم أو علاقاتهم. في بعض الأحيان، قد يصدقون أكاذيبهم ويعيشون في إحساس زائف بالواقع.
يمكن أن يسبب الكذب المَرَضِيُّ الكثير من المشاكل للكذاب والأشخاص المحيطين به. يمكن أن يؤدي ذلك إلى الإضرار بالثقة والعلاقات والسمعة واحترام الذات. كما يمكن أن يؤدي إلى مشاكل قانونية أو خسائر مالية أو مشكلات تتعلق بالصحة العقلية.
ولكن كيف يمكنك معرفة ما إذا كان شخص ما مريضاً بالكذب؟ وماذا يمكنك أن تفعل إذا كان عليك التعامل مع أحدهم؟ فيما يلي بعض العلامات والنصائح لمساعدتك.
العلامات التي تعرف بها المريض بالكذب
ليس من السهل اكتشاف المريضين بالكذب، وذلك لأنهم قد يكونون مقنعين للغاية ومتلاعبين. ومع ذلك، توجد بعض القرائن التي قد تشير إلى أن شخص ما يكذب بشكل مرضي. وهنا بعض منهم:
1 -يكذبون بشكل عشوائي حول مجموعة واسعة من المواضيع: المريضون بالكذب لا يقصرون أكاذيبهم على مواقف أو موضوعات محددة. قد يكذبون بشأن أي شيء وكل شيء، بدءاً من التفاصيل الصغيرة وحتى الأحداث غير العادية. وقد يكذبون أيضاً على أشخاص مختلفين، مثل الأصدقاء أو العائلة أو زملاء العمل أو الغرباء.
2 -يقولون الأكاذيب عن الأحداث البسيطة: المريضون بالكذب لا يحتاجون إلى سبب كبير للكذب. قد يكذبون بشأن أشياء غير مهمة أو غير ذات صلة، مثل الذي أكلوه على الغداء أو أين ذهبوا للنزهة. وقد يكذبون أيضاً بشأن أشياء يمكن التحقق منها بسهولة، مثل الطقس أو الوقت.
3 -يستمرون في تغيير قصصهم: يواجه المريضون بالكذب صعوبة في تتبع أكاذيبهم وقد يناقضون أنفسهم في كثير من الأحيان. قد يغيرون التفاصيل أو التسلسل أو نتيجة قصصهم اعتماداً على من يتحدثون إليه أو ما يريدون تحقيقه. وقد ينسون أيضاً ما قالوه من قبل ويكررون نفس الكذبة عدة مرات.
4 -يعيشون في شعور زائف بالواقع: قد يصبح المريضون بالكذب منغمسين في أكاذيبهم لدرجة أنهم يفقدون الاتصال بالواقع. قد يصدقون أكاذيبهم ويتصرفون كما لو كانت صحيحة. وقد يختلقون أيضاً تخيلات وسيناريوهات متقنة في أذهانهم ويشاركونها مع الآخرين كما لو كانت حقيقية.
5 -إذا تمت مواجهتهم، فإنهم يتصرفون بشكل دفاعي ولا يعترفون أبداً بأنهم كاذبون: المريضون بالكذب لا يحبون أن يتم تحديهم أو كشفهم. إذا شكك شخص ما في أكاذيبهم أو قدم أدلة ضدهم، فقد يصبحون غاضبين أو عدائيين أو مراوغين. قد ينكرون أكاذيبهم، أو يتهمون الآخرين بالكذب، أو يختلقون المزيد من الأكاذيب للتغطية على أكاذيبهم السابقة. وقد يحاولون أيضاً صرف الانتباه عن المشكلة أو إلقاء اللوم على الآخرين في مشاكلهم.
أسباب الكذب المَرَضِيِّ
السبب الدقيق للكذب المَرَضِيِّ غير معروف، حيث إن الأبحاث حول هذا الموضوع محدودة. ومع ذلك، فإن بعض العوامل المحتملة التي قد تساهم في الكذب المَرَضِيِّ هي:
1 -تقلبات الشخصية: بعض اضطرابات الشخصية، مثل اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع (ASPD)، أو اضطراب الشخصية النرجسية (NPD)، أو اضطراب الشخصية الحدية (BPD)، أو اضطراب الشخصية الهستيري (HPD)، قد تنطوي على الكذب كعرض أو آلية للتكيف. قد يكذب الأشخاص الذين يعانون من هذه الاضطرابات للتلاعب بالآخرين، أو تعزيز غرورهم، أو تجنب المسؤولية، أو طلب الاهتمام.
2 -ظروف الصحة العقلية: بعض حالات الصحة العقلية، مثل الاضطراب ثنائي القطب، أو الفصام، أو اضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط (ADHD)، قد تضعف قدرة الفرد على التمييز بين الواقع والخيال. قد يكذب الأشخاص الذين يعانون من هذه الحالات بسبب الأوهام، أو الهلوسة، أو الاندفاع، أو ضعف الذاكرة.
3 -العوامل البيئية: بعض العوامل البيئية، مثل الإجهاد، أو الصدمة، أو سوء المعاملة، أو الإهمال، أو الضغط الاجتماعي، قد تؤدي إلى سلوك الكذب أو تعززه. قد يكذب الأشخاص الذين يعانون من هذه العوامل للتعامل مع مشاعرهم، أو حماية أنفسهم من الأذى، أو التوافق مع الآخرين، أو الهروب من مشاكلهم.
كيفية التعامل مع المريض بالكذب
قد يكون التعامل مع المريض بالكذب أمراً محبطاً ومرهقاً. قد تشعر بالارتباك أو الخيانة أو الأذى أو الغضب بسبب أكاذيبهم. قد تتساءل أيضاً عما إذا كان بإمكانك الوثوق بهم على الإطلاق أو إذا كان هناك أي أمل في تغييرهم.
فيما يلي بعض النصائح حول كيفية التعامل مع المريض بالكذب:
1 -لا تأخذ أكاذيبه على محمل شخصي: تذكر أن الكذب المرضي لا يتعلق بك، بل يتعلق به. فهو يكذب بسبب مشاكله الخاصة، وليس بسببك. لا تلم نفسك أو تشعر بالذنب بسبب أكاذيبه. لا تدع أكاذيبه تؤثر على قيمتك الذاتية أو سعادتك.
2 -لا تحاول تغييره أو إصلاحه: لا يمكنك جعل الكاذب المرضي يتوقف عن الكذب من خلال الجدال معه أو التفكير فيه أو التوسل إليه. ولا يمكنك أيضاً علاجه أو مساعدته إلا إذا أراد هو التغيير وطلب المساعدة الطبية. إن محاولة تغييره أو إصلاحه لن تؤدي إلا إلى إهدار وقتك وطاقتك وقد تجعله يكذب أكثر.
3 -لا تُمَكِّنْ أكاذيبه ولا تدعم أوهامه: لا تتماشى مع أكاذيبه أو تتظاهر بأنك تصدقه. لا تشجع خياله ولا تنضم إلى أوهامه. لا تمنحه المال أو الخدمات أو التعاطف بناءً على أكاذيبه. لن يؤدي القيام بذلك إلا إلى تعزيز سلوكه الكاذب وجعله يعتقد أنه يمكنه الإفلات من العقاب.
4 -ضع حدوداً وحواجز معه: قرر ما أنت على استعداد لتحمله وما لا ترغب في تحمله من المريض بالكذب. قم بتوصيل توقعاتك وعواقبك بوضوح وحزم معه. التزم بحدودك وتابع العواقب إذا انتهكت هذه الحدود.
5 -احمي نفسك من أكاذيبه وأضراره: لا تثق في المريض بالكذب في أمور مهمة، مثل أموالك أو صحتك أو سلامتك أو أسرارك. فلا تعتمد عليه في أي شيء يهمك. لا تسمح له بالتلاعب بك أو استغلالك أو الإساءة إليك بأي شكل من الأشكال. اطلب المساعدة القانونية إذا لزم الأمر.
6 -اطلب الدعم لنفسك: قد يكون التعامل مع المريض بالكذب مرهقاً ومستنزفاً عاطفياً. قد تحتاج إلى دعم من الآخرين الذين يفهمون ما تمر به والذين يمكنهم تقديم المشورة أو الراحة أو الموارد لك. اطلب المساعدة من أصدقائك أو عائلتك أو المعالج أو مجموعة الدعم.
هل يمكن أن يتغير المريضون بالكذب؟
يمكن للمريضين بالكذب أن يتغيروا إذا أرادوا التغيير وإذا طلبوا المساعدة المهنية. ومع ذلك، فإن تغيير عادة الكذب المتأصلة ليس بالأمر السهل، وقد يستغرق وقتاً طويلاً وكثيراً من الجهد.
بعض الخطوات المحتملة التي قد تساعد في تغيير المريضين بالكذب هي:
1 -الاعتراف بأن لديهم مشكلة وأنهم بحاجة إلى المساعدة: الخطوة الأولى للتغيير هي الاعتراف بوجود شيء خاطئ وأنه يؤثر على أنفسهم وعلى الآخرين بشكل سلبي. وقد يتطلب هذا الكثير من الشجاعة والصدق من الكاذب، بالإضافة إلى ردود الفعل والتدخل من الآخرين.
2 -تحديد أسباب ومحفزات سلوكهم الكاذب: والخطوة التالية هي فهم سبب كذبهم وما الذي يجعلهم يكذبون أكثر أو بشكل أكثر كثافة. قد يتضمن ذلك استكشاف تجاربهم السابقة وأوضاعهم الحالية وسماتهم الشخصية وحالة صحتهم العقلية.
3 -طلب المساعدة الطبية من المعالج النفسي أو الاستشاري: يمكن لاختصاصي الصحة العقلية المؤهل أن يساعد المريض بالكذب على معالجة المشكلات الأساسية التي تساهم في سلوكه الكاذب، مثل الصدمة أو التوتر أو تدني احترام الذات أو المرض العقلي. يمكنه أيضاً مساعدتهم على تطوير مهارات التكيف الصحية، مثل التواصل أو حل المشكلات أو تنظيم العواطف أو الحزم.
4 -ممارسة الصدق والمسؤولية في حياتهم اليومية: والخطوة الأخيرة هي تطبيق ما تعلموه في العلاج على مواقف وعلاقات حياتهم الحقيقية. قد يتضمن ذلك قول الحقيقة في كثير من الأحيان، وتصحيح أكاذيبهم عندما يكتشفون أنهم يكذبون، والاعتذار عن أكاذيبهم عندما يؤذون الآخرين، وقبول عواقب أكاذيبهم.
دعونا نلخص المقالة
-الكذب المرضي هو نمط قهري لإخبار الناس بأشياء غير صحيحة دون أي دافع أو فائدة واضحة.
-قد يكذب المريضون بالكذب بشأن أي شيء وكل شيء، بدءاً من التفاصيل الصغيرة وحتى الأحداث الكبرى. وقد يعيشون أيضاً في إحساس زائف بالواقع ويصدقون أكاذيبهم.
-يمكن أن يكون سبب الكذب المرضي عوامل مختلفة، مثل اضطرابات الشخصية، أو حالات الصحة العقلية، أو العوامل البيئية.
-يمكن أن يسبب الكذب المرضي الكثير من المشاكل للكذاب والأشخاص المحيطين به. يمكن أن يؤدي ذلك إلى الإضرار بالثقة والعلاقات والسمعة واحترام الذات.
-يمكن للمريضين بالكذب أن يتغيروا إذا أرادوا التغيير وإذا طلبوا المساعدة الطبية النفسية.
-إذا كان عليك أن تتعامل مع مريض بالكذب؛ فلا تأخذ أكاذيبه على محمل شخصي، ولا تحاول تغييرها أو إصلاحها، ولا تمكن أكاذيبه أو تدعم خيالاته، ضع حدوداً وحواجز معه، احمِ نفسك من أكاذيبه وضرره، واستعن بنفسك على ذلك.
نأمل أن يكون منشور المدونة هذا قد ساعدكم على فهم المزيد عن المريضين وكيفية التعامل معهم.
إذا كان لديكم أي أسئلة أو تعليقات حول هذا الموضوع، فلا تترددوا في مشاركتها أدناه.
شكراً لكم على حسن القراءة!