معظم الاوقات تزدحم العيادات الطبية هنا وهناك بالمرضى والمراجعين ، الذين يعاني معظمهم من الالتهابات التنفسية بأنواعها، لذلك ترى الكثيرين فصل الشتاء ، مع ما يحمله هذا الفصل من الخير و البركة ، و كثير منهم يقصرون في وقاية أنفسهم و أطفالهم ثم يلقون باللائمة عليه .
تعتبر الالتهابات التنفسية الحادة من أكثر الأمراض شيوعا في العالم من أي مرض حاد آخر ، وخاصة في فصل الشتاء ؛ حيث يتوفى في الدول النامية سنوياً حوالي 15 مليون طفل تقل أعمارهم عن 5 سنوات ثلث هذه الوفيات بسبب الالتهابات التنفسية الحادة ، وتحديداً التهاب الرئة حيث يسبب 90% من مجموع هذه الحالات.
و الالتهابات التنفسية هي مجموعة الالتهابات التي تصيب الجهاز التنفسي عامة؛ وهي على نوعين ؛ الأول : ما يصيب الجزء العلوي منه, مثل الرشح, الزكام, الأنفلونزا والتهابات الأذن والحلق، وتشكل هذه الالتهابات الغالبية العظمى من أمراض الجهاز التنفسي، وهي بشكل عام غير خطيرة وتستمر عادة لعدة أيام ثم تزول، الثاني : التهابات تصيب الجزء السفلي من الجهاز التنفسي كالتهابات الرئة والشعب الهوائية، وهي عادة أقل انتشاراً، ولكنها أكثر خطورة وقد تؤدي إلى الوفاة.
أسباب الالتهابات التنفسية بنوعيها العلوية و السفلية تنقسم إلى أسباب بكتيرية و أخرى فيروسية ؛ فالبكتيرية ينتج عنها التهابات عدة أهمها: التهاب اللوزتين الحاد،التهاب الأذن الوسطى، التهاب الجيوب الأنفية الحاد، أما الأسباب الفيروسية فينتج عنها : التهاب الحلق، والتهاب الأنف والحلق، وقد تلتهب ملتحمة العين أيضا، والتهاب الحنجرة.
ولكل التهاب من الالتهابات المذكورة أعراض خاصة به ؛ فمن أعراض التهاب اللوزتين الحاد : وجود حرارة عالية ، صداع ، مغص معوي ، قيء ، صعوبة شديدة في البلع ، تضخم الغدد الليمفاوية بالرقبة ، تورم اللوزتين بشكل واضح لتصبح كالكرة الحمراء المشتعلة في الحلق ، وقد يوجد صديد كبقع بيضاء على اللوزتين ، ويجدر بالذكر هنا أن الكحة والعطس وانسداد الأنف غير موجود غالباً .
أما التهاب الأذن الوسطى فمن أعراضه : آلام مبرحة في الأذن لدرجة توقظ الطفل من نومه، مما يسبب للرضع بكاء شديدا في الليل غير معروف السبب ، حرارة، أعراض برد قريب ، وتظهر بمنظار الأذن الطبالة محتقنة ومليئة بسوائل قد تكون صديدية، وقد يخرج الصديد فعلا من الأذن وعندها يختفي الألم فورا.ً
ونذكر من أعراض الالتهابات الفيروسية : حرارة عالية قد تناهز 40 درجة مئوية ، رعشة، إحساس بالبرودة، آلام في المفاصل، صداع شديد، إرهاق وتعب عام، آلام في الحلق، احمرار في الحلق، صعوبة في البلع، عطاس متكرر، ورشح، وانسداد في الأنف، كحة بسيطة قد تصحب ببلغم يحس في الحلق، تقرحات في الفم، تضخم محتمل في الغدد الليمفاوية بالرقبة .
كثير من الناس الذين لايحبون فصل الشتاء ، و يلقون باللائمة عليه فيما يحصل لهم و لأطفالهم من انتكاسات صحية لا يلتفتون إلى إهمالهم بحق صحتهم و صحة أطفالهم ، و لا ينتبهون إلى الممارسات الخاطئة التي يرتكبونها بحقهم و أطفالهم ..؛ فمن من الناس الآن يراعي إعطاء الأطفال المطاعيم في المواعيد المحددة ، ومن منهم يهتم كثيرا بالتغذية ؛ و خاصة في سنوات الطفل الأولى لا سيما الرضاعة الطبيعية ، التي تعتبر إحدى أهم الأسباب الوقائية و المناعية التي تحمي الطفل من الالتهابات التنفسية بأنواعها .
يجب أن نعترف أن قلة من النساء هن اللواتي يولين الرضاعة الطبيعية الأهمية المستحقة ، و كثيرات يقصرن في هذا المجال بشكل ملحوظ ، بل إنهن يعتمدن على المصنعات من المواد الغذائية ، و بعد فترة يطلقن العنان لأبنائهن الاعتماد بشكل شبه تام على السكاكر و الشيبس و العصائر المصنعة.. ( و سنفرد عددا خاصا بالرضاعة الطبيعية و أهميتها ) ، و من الأمور المهمة في التغذية الانتباه للأغذية الغنية بفيتامين أ + ج.
ثم إنه تجب العناية الحثيثة بمواصفات مكان السكن ؛ و هذا أمر مهم يتقاسم المسؤولية عنه الدولة و رب الأسرة في توفير بيئة صحية ملائمة ؛ فالمطلوب : تهوية جيدة ، و الابتعاد عن الأماكن المزدحمة و الرطبة التي لا تتعرض للشمس ، و عدم التعرض للتلوث الذي من أهم أسبابه التدخين و دخان المصانع و الغبار و عوادم السيارات…
يضاف إلى ما سبق : تجنب التعرض للتيارات الهوائية ، و الابتعاد عن بعض العادات الاجتماعية الخاطئة مثل تقبيل الأطفال وخاصة من قبل المصابين وغيرهم من الأصحاء ، وتجنيب الأطفال الإكثار من تناول المضادات الحيوية.
كل ما تقدم يمكن اعتبارها عوامل مساعدة للإصابة بالمرض ، وتجنبها و الابتعاد عنها تصنف على أنها عوامل وقاية من الإصابة بالالتهابات التنفسية بأنواعها ، التي يمكن إجمالها بما يلي:
الالتزام بمواعيد المطاعيم الأساسية للطفل ، الاهتمام بالرضاعة الطبيعية فترة لا تقل عن سنتين من عمر الطفل مع الانتباه إلى عدم إعطاء الطفل أية أغذية مساعدة – دون حاجة – خلال الأربعة إلى الستة شهور الأولى من عمره ، التركيز على التغذية المتوازنة المناسبة لكل مرحلة من مراحل العمر ومراعاة احتوائها على الفواكه والخضروات الطازجة والتي تحتوي على فيتامين أ + ج .
وإلى جانب التغذية المناسبة المهمة للطفل في سني عمره الأولى يجب الحرص على سلامة الجهاز التنفسي للطفل ، وذلك بتجنيبه التيارات الهوائية الباردة ، وإبعاده عن الأشخاص المصابين بالتهابات الجهاز التنفسي ، و الابتعاد عن العادات الصحية السيئة مثل : تقبيل الرضع والأطفال خاصة من قبل الأشخاص المصابين بالمرض ، و تجنب العطس والبصق بالقرب من الأطفال واستعمال المناديل الورقية لهذا الغرض.
يضاف إلى ما تقدم ، فيجدر الانتباه إلى البيئة المحيطة بالفرد ؛ من تجديد هواء المنزل باستمرار عدة مرات في اليوم ، و الابتعاد عن الأماكن المزدحمة سيئة التهوية قدر الإمكان ، و الإقلاع عن التدخين نهائيا أو في المنازل على أقل تقدير ، مع الاهتمام الدائم و المستمر بالنظافة الشخصية العامة.
إن ما تقدم أشكال وأساليب للوقاية من الالتهابات تقي الفرد و المجتمع إالى حد كبير ، لكن الوقاية التامة و الكاملة غير ممكنة ..، من هنا كان لا بد من البحث عن أشكال العلاج المتاحة ، وعلاج الالتهابات التنفسية ، في حال وقوعها لسبب أو لآخر ، يجب أن يسير في عدة خطوط ؛ أهمها : التغذية ؛ و يندرج تحتها : الاستمرار في الرضاعة الطبيعية ، مع إعطاء الطفل وجبات خفيفة ومتعددة ترتكز على الإكثار من شرب السوائل الدافئة خلال فترة المرض؛ وذلك للمساعدة على تخفيف آلام الحلق وتهدئة السعال ، مثل الشوربة والبابونج واليانسون… الخ, أما إذا كان عمر الطفل أقل من 6 شهور فيفضل الاقتصار على الرضاعة الطبيعية فقط.
النظافة على كل المستويات و بجميع الأشكال ، و تشمل : تنظيف الأنف ؛ ذلك أن انسداد الأنف يقلل من رضاعة الطفل ويجعله عصبيا ؛ً لذلك من الضروري تنظيف أنف الطفل باستمرار وخاصة قبل النوم والرضاعة ، و يتم تنظيف الأنف بواسطة لف محرمة أو قطعة قماش نظيفة وإدخالها في أنف الطفل لامتصاص المخاط ، و مع تنظيف الأنف لا ننسى تجفيف الأذن التي يسيل منها الصديد ( القيح) ؛ وذلك بعمل فتيل من القماش الناعم والقطن ووضعه في أذن الطفل حتى يبتل ، ثلاث مرات يومياً حتى تجف الأذن ، مع مراعاة عدم استخدام مواد صلبة في عملية التنظيف مثل العيدان ، وكذلك عدم وضع سوائل في الأذن مثل الزيت, أو حليب الأم ، وتجنب دخول الماء إلى أذن الطفل طيلة فترة العلاج .
ومن باب النظافة كذلك لا بد من تخصيص أغراض خاصة بالطفل المريض مثل المنشفة والملعقة والكأس… إلخ, وذلك لمنع انتقال العدوى من الشخص المصاب بالمرض إلى أشخاص سليمين حيث أن هذا المرض سريع العدوى .
ولما كان ارتفاع درجة الحرارة من أبرز الأعراض و أظهرها ، فإنه لا بد من ملاحظتها باستمرار و عن كثب ، لأن ارتفاعها مؤشر خطير ؛ لذا لا بد من تخفيض درجة الحرارة ؛ فإذا زادت درجة حرارة المصاب عن 38 درجة مئوية فيجب تخفيضها ، وذلك باستعمال كمادات الماء الفاتر على الفخذين والجبين واليدين ، واستعمال التحاميل أو الشراب الخافض للحرارة( للأطفال عادة ) في حالة عدم انخفاضها ، وخاصة إذا كانت درجة الحرارة أكثر من 38.5 درجة مئوية.
والمجاري التنفسية هي محل الداء و الدواء ، لذا فالاهتمام بما يدخل لها و ما تستنشقه من أولى الأولويات ، و من ذلك : تهوية الغرفة ؛ وذلك من خلال فتح الباب أو النوافذ عدة مرات في اليوم، مع مراعاة عدم تعرض المصاب إلى مجرى الهواء ،و عدم التعرض للدخان ؛ حيث أن الأشخاص المعرضين للدخان ، سواء كان دخان سجائر أو مصانع أو سيارات أكثر عرضة للإصابة بالتهابات الجهاز التنفسي من غيرهم .
و للعلاج الكيميائي ( العلاج بالعقاقير) دور في الالتهابات التنفسية ، لكن لا يلجأ إليه إلا في حالات متقدمة من الالتهابات المصحوبة بسعال حاد أو مزمن ، و يجب عدم تناوله إلا بعد مراجعة الطبيب و وصفه للعقار المناسب ، و يجب التنبه إلى استكمال كامل الوصفة الطبية من المضاد الحيوي حتى لو شعر المريض بالتحسن ، وإذا حصل للمريض تقيؤ بعد تناول الدواء مباشرة فيجب أخذ جرعة أخرى.
وبعد ، فإن فصل الشتاء فصل جميل و سعيد لمن استطاع أن يقي نفسه و أطفاله من الآثار السلبية له ،التي لا تقارن بما يحمله من خير وفير و عطاء جزيل للجميع .