ترند صحي

اضطراب شرب الكحول: مضاعفاته وعلاجه

قد تبدو مشكلة إدمان الكحوليات للوهلة الأولى بعيدة كل البعد عن مجتمعنا المحلي، إلا أنه وبنظرة متفحصة بعض الشيء نرى- وللأسف الشديد- أن هذه المشكلة آخذة بالتزايد يوما بعد يوم، وبخاصة في طبقات المجتمع المترفة أو تلك التي تعيش في فقر مدقع. 

ولا يعني ذلك- والحمد لله- أن هذه المشكلة متفشية في مجتمعنا المحلي بالشكل الذي هي عليه في المجتمعات الغربية؛ ففي الولايات المتحدة الأمريكية وحدها تشير الإحصاءات إلى وجود ما لا يقل عن 18مليون أمريكي يسيئون تناول الكحوليات، وأن 100.000 أمريكي يموتون كل عام جراء هذه الآفة، بالإضافة إلى ذلك فإن الكحوليات في تلك البلاد تعتبر المسبب الأساسي لحدوث حوادث السير المميتة.

ما هو إدمان الكحوليات؟

إدمان الكحوليات مرض يتميز صاحبه بانشغاله وانهماكه بشرب الكحوليات، وعدم قدرته على التحكم بالمواعيد التي يتناولها فيها أو الكميات التي يتناولها منها.

العلامات والأعراض المرافقة لمشكلة إدمان الكحوليات:

  • شرب الكحوليات في السر وبعيدا عن أعين الناس.
  • عدم القدرة على التحكم بكميات الكحوليات التي يتم تناولها.
  • النسيان، وعدم القدرة على تذكر بعض الأحداث والمناقشات التي تحدث في الحياة.
  • الاعتياد على تناول الكحوليات مع وجبة الغذاء أو قبلها أو بعدها، واعتماد هذا الأمر كأنه طقس من طقوس تناول الغذاء، مع الشعور بالانزعاج إذا لم يكن ممكنا ممارسة هذا الطقس.
  • فقدان الرغبة بممارسة الهوايات والأنشطة التي كانت فيما مضى تدخل البهجة والمتعة إلى حياة المدمن.
  • الشعور بدافع لا يقاوم وبرغبة جامحة نحو شرب الكحوليات.
  • تنامي الشعور بالتوتر والانزعاج في حال عدم توفر المشروب.
  • الاحتفاظ بالمشروب في أماكن غير معتادة في البيت أو في السيارة أو في العمل؛ فترى المدمن يحتفظ بزجاجات الكحوليات تحت السرير أو في درج المكتب أو في الحقيبة.
  • تجرع كميات زائدة من المشروبات الكحولياتية، وتناول الأنواع المركزة منها، والرغبة بالشرب من أجل الشعور بالراحة والقدرة على ممارسة النشاطات اليومية بشكل طبيعي.
  • ظهور مشاكل اجتماعية وقضائية ومالية.. في حياة المدمن.
  • الاعتياد على الشرب Tolerance؛ بمعنى الحاجة إلى تناول كميات متزايدة من الكحوليات للحصول على التأثير والشعور السابق.
  • الشعور بالأعراض الانسحابية للإدمان Physical dependence withdrawal symptoms في حال التوقف عن تناول الكحوليات، التي من أهمها: التعرق والرغبة بالقيء والرجفة..، ويلاحظ أن هذه الأعراض تزول في حال عودة المدمن لشرب الكحوليات.

اقرأ أيضاً: أسئلة وأجوبة حول اضطراب شرب الكحوليات

أسباب إدمان الكحوليات

تشير إحدى النظريات العلمية إلى أن أهم أسباب حدوث مشكلة إدمان الكحوليات عند بعض الأشخاص هو خلل يحدث في نسب المستقبلات الكيميائية الموجودة في الدماغ، والتي من أهمها المستقبلات جابا GABA والدوبامين Dopamine، أما أهم العوامل الأخرى التي من الممكن أن تؤدي بشارب الكحوليات إلى مشكلة الإدمان:

  • أهم الأسباب في مجتمعنا المحلي التي تؤدي إلى مشكلة إدمان الكحوليات فهي ضعف الوازع الديني؛ ذلك أن هذا الوازع يمنع الإنسان من مجرد التفكير بتجربة الكحوليات ولو لمرة واحدة، وهذا يحميه من التورط بجميع المشاكل المترتبة على ذلك، وبالتالي فإنه مهما تكالبت على الفرد ظروف نفسية أو جسدية أو عاطفية.. قد تفضي بالبعض إلى الهروب إلى الكحوليات، يظل هذا الخيار معدوما لدى الفرد الذي يتمتع بوازع ديني متين.
  • العمر: يلاحظ أن الأشخاص الذين يبدؤون بتناول الكحوليات في سن صغيرة (أي قبل بلوغ السادسة عشرة) أكثر عرضة للتورط بمشكلة إدمان الكحوليات.
  • العامل الوراثي والجينات: تشير بعض الدراسات التي أجريت على بعض العائلات التي ظهرت فيها هذه المشكلة في أجيال مختلفة إلى أن العامل الوراثي قد يساهم في حدوث هذه المشكلة لدى بعض الأفراد دون غيرهم.
  • الجنس: الذكور أكثر عرضة من الإناث للتورط بمشكلة إدمان الكحوليات.
  • الاضطرابات العاطفية: يلاحظ أن الأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب والقلق المزمن أكثر عرضة للإصابة بإدمان الكحوليات.

متى تلجأ إلى الطبيب في حال تورطك في مشكلة إدمان الكحوليات؟

لأن الإنكار من أهم مميزات شخصية مدمن الكحوليات فإنه نادرا ما ترى المدمن يسعى لعلاج هذه المشكلة بشكل فردي ذاتي، لذلك يتطلب هذا الأمر تضافر الجهود من أفراد العائلة والأصدقاء المقربين لإقناعه بضرورة السعي نحو العلاج.

وبشكل عام ينصح بطلب المشورة الطبية في حال شعور الفرد بحاجة ملحة لتناول الكحوليات في الصباح عند الاستيقاظ من النوم، أو عند الشعور برغبة متزايدة لشرب الكحوليات.

مضاعفات إدمان الكحوليات:

تثبط الكحوليات بشكل عام من عمل الجهاز العصبي المركزي في الإنسان، وإن كان يأخذ تأثيرا عكسيا لدى بعض الأشخاص في بداية الأمر، ولكن مع مرور الوقت سوف يشعر شارب الكحوليات بالنعاس، كما تؤثر الكحوليات على قدرة الفرد على التفكير والشعور واتخاذ القرار الصحيح، بالإضافة إلى أنها تؤثر على قدرة الإنسان على الكلام، وعلى تناسق عمل العضلات الإرادية لديه، وقد يؤدي تناول كميات كبيرة من المشروبات الكحولياتية في مرة واحدة إلى غيبوبة.

أما عن المشاكل الصحية التي قد يسببها شرب الكحوليات بشكل مزمن فأهمها ما يلي:

  • مشاكل في الكبد: يسبب شرب الكحوليات التهابا في الكبد، الذي من أهم أعراضه: فقدان الشهية والغثيان والرغبة في القيء وألم في البطن وحمى واصفرار Jaundice، كما قد يسبب تناول المشروبات الكحولياتية بشكل مزمن تشمع الكبد Cirrhosis وتليفه وفشل كبدي مزمن، مما قد يؤدي إلى وفاة المريض في حال عدم القدرة على إجراء عملية زرع كبد.
  • مشاكل في الجهاز الهضمي: تسبب الكحوليات التهابا في الأغشية المغطية للمعدة، كما أنها تقلل من امتصاص حمض الفوليك Folic acid والثيامين Thaiamin، كما يؤدي إدمان الكحوليات إلى تدمير البنكرياس.
  • مشاكل في الدورة الدموية والقلب: يؤدي إدمان الكحوليات إلى ارتفاع ضغط الدم وإضعاف عضلة القلب، الأمر الذي قد يؤدي بالمريض في نهاية المطاف إلى الإصابة بفشل في وظيفة القلب أو السكتة القلبية.
  • زيادة فرص إصابة شاربي الكحوليات من مرضى السكر الذين يتناولون الأنسولين بحالة هبوط السكر Hypoglycemia ذلك أن الكحوليات تثبط عملية تحرير السكر من الكبد إلى الدم، وبالتالي فإن هذا الأمر يؤدي إلى انخفاض نسبة السكر في دم المريض وحدوث حالة هبوط السكر.
  • يسبب تناول الكحوليات ضعف القدرة الجنسية لدى الذكور نتيجة ضعف الانتصاب، واضطراب في الدورة الشهرية لدى الإناث.
  • شرب المرأة الحامل للخمور وبخاصة في بدايات الحمل يؤدي إلى حدوث تشوهات في الجنين، وصغر في حجم الرأس، وتشوهات قلبية، والعديد من المضاعفات الأخرى.
  • هشاشة العظام: يثبط تناول الكحوليات من عملية بناء العظام مما يسبب هشاشة في العظام وزيادة فرص الإصابة بالكسور.
  • مشاكل في الأعصاب: يسبب تناول المشروبات الكحولياتية بصورة مزمنة مشاكل في الأعصاب الطرفية، وتنمل الأطراف، بالإضافة إلى الخَرف وفقدان الذاكرة.
  • زيادة فرص الإصابة بالسرطان: تشير الأبحاث العلمية إلى أن شرب الكحوليات بصورة مزمنة يؤدي إلى زيادة فرص الإصابة بسرطان المريء والحنجرة والكبد والقولون.

اقرأ أيضاً: كيفية التعرف على اضطراب إدمان الكحول وعلاجه؟

علاج إدمان الكحوليات:

غالبا ما يرفض مدمنو الكحوليات مبدأ العلاج؛ لأنهم في الغالب ينكرون معاناتهم من المشكلة، وهنا يأتي دور المقربين والأصدقاء في إقناع المريض بضرورة طلب المشورة الطبية والبدء في مرحلة العلاج، والعلاج يختلف من مريض لآخر بحسب شدة الحالة والظروف الاجتماعية المحيطة بالمريض ومدى تجاوبه مع العلاج، وفي بعض الأحيان قد يتطلب الأمر إدخال المريض لمصحة بهدف العلاج وإعادة التأهيل.

والخطوة الأولى في علاج مدمن الكحوليات تكمن في تحديد مدى تورط المدمن، وهو الأمر الذي يحدده الطبيب المختص، كما قد يتضمن علاج مدمن الكحوليات وصف دواء الدايسلفيرام Disulfiram الذي يجعل المدمن يشعر بالصداع والغثيان والرغبة بالتقيؤ وبارتفاع مفاجئ في درجة الحرارة كلما شرب الكحوليات، مما يدفعه إلى كره الكحوليات والابتعاد عن شربها حتى لا يصاب بهذه الأعراض.

كما يدخل العلاج النفسي في علاج مدمن الكحوليات، بحيث يبحث الطبيب المعالج عن الأسباب التي دفعت بالمريض إلى إدمان الكحوليات ويحاول حلها، ولا ننسى أهمية دعم العائلة والأصدقاء للمدمن؛ فهو مريض كغيره من المرضى يحتاج إلى من يقف إلى جانبه ويشجعه على مواصلة العلاج لا إلى من يؤنبه ويحبطه.

وفي عام 2006م وافقت دائرة الغذاء والدواء الأمريكية FDA على تداول دواء جديد لعلاج إدمان الكحوليات في الأسواق يسمى بالفيفوترول Vivotrol، وهذا الدواء يقلل من اعتماد جسم المريض على الكحوليات، أي أنه مضاد لإدمان الكحوليات، ويعطى كحقنة مرة واحدة في الشهر ولا يجوز إعطاؤه إلا من قبل الطبيب المختص.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى